يَخسر كثيرٌ من النَّاس في التَّفريط في نِعْمَتَيْن عظيمَتَين، وهبَهُما الله تعالى لهُم، وأمرَهُم بِالحِفاظ عليْهِما، واستِثْمارِهِما قبل أن يفوتَا، وقبل أن يأتِيَ أجلُ المسلم، ولا ينفعُه ندمُه، ولا تَحسُّره بعدها، وهاتان النِّعمتان هُما: الصِّحَّة، والفَراغ، فترى ذلك الكثيرَ من النَّاس ينخدِعُ بصِحَّته وعافيته، ويغترُّ بِقُوَّتِه ونشاطه، فيُضَيِّعُهما فيما لا فائدةَ فيه.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لرجل وهو يَعِظُهُ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَك قبل هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قبل فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبل شُغْلِك، وحَيَاتَكَ قبل مَوْتِك"؛ رواهُ الحاكم (4/ 341)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح التَّرغيب والتَّرهيب" (3355).
والأكثرُ خسارةً هو من يُضَيِّعُهُما في معصية الله تعالى، وفِعْل المنكرات، وإن لم يتدارَك المُسلم الأمرَ، فيغتنِم فراغَه قبل شغله، وصحَّته قبل سقمه، وحياتَه قبل موته - فليوشِكنَّ على ندمٍ وحسرة، لا ينفعه بعدَها بكاء، ولا يقبل الله منه فداء، ولو افتدى بِملء الأرض ذهبًا.
عَن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ"؛ رواه البُخاري (6049).
قال الإمام بدرُ الدِّين العَيْنِيُّ رحِمه الله: "فكأنَّه قال: هذان الأمرانِ إذا لم يُسْتعْملا فيما ينبغي، فقد غُبن صاحبُهما فيهما، أي: باعَهُما ببخْسٍ لا تُحْمَد عاقبتُه، أو ليس له في ذلك رأيٌ البتَّة، فإنَّ الإنسانَ إذا لم يعمَلِ الطَّاعة في زمنِ صحَّتِه، ففي زمَنِ المرض من باب الأولى ، وعلى ذلك حُكْمُ الفراغ أيضًا، فيبقى بلا عملٍ، خاسرًا مغبونًا.
هذا؛ وقد يكون الإنسانُ صحيحًا، ولا يكون متفرغًا لِلعبادة؛ لاشتِغاله بأسبابِ المعاش، وبالعكس، فإذا اجتمعا في العبد، وقصَّر في نيل الفضائل، فذلك هو الغَبْنُ له كل الغَبن، وكيف لا والدنيا هي سوق الأرباح، وتجارات الآخرة؟".اهـ، من "عمدة القاري" (23/ 31).
فليَحْرِص المسلمُ على وقتِه، وليعلَمْ أنَّ ما يَمضي من أيَّامه إنَّما يقترب به من قَبْرِه، ونِهاية حياتِه، فالسَّعيدُ مَن اغتنم تِلْكَ الأيَّام، والشقيُّ مَنْ ضيَّعها.
قال الحسن البصري رحِمه الله: "يا ابْنَ آدم، إنَّما أنت أيَّام مجتمعة، كلَّما ذهب يومٌ، ذهب بعضُك".اهـ.
ثانيًا: نأسفُ أنَّ أوقات المسلمين تَضيعُ باللهث وراءَ الألعاب التي يُنْتِجُها البطَّالون، والكفَّار، والتُّجار، والذين يَحرص جميعُهم على استِنْفاد طاقاتِنا، وأموالِنا، فيما ينفعهم، ويضرُّنا.